أما ما كان منها في (( أحد )) فهو أنها خرجت مع جند المسلمين في ثلة من النساء جهاداً في سبيل الله . فجعلت تنقل الماء, و تروي العطاش, و تبري السهام, و تصلح القسيَّ . وكان لها مع ذلك عرض آخر هو أن ترقب المعركة بمشاعرها كلها ...
ولا غرو فقد كان في ساحتها ابن أخيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ...
و أخوها حمزة بن عبدالمطلب أسد الله ...
وابنها الزبير بن العوام حواري نبي الله (صلى الله عليه وسلم) ...
وفي المعركة - قبل ذلك كله و فوق ذلك كله - مصير الإسلام الذي اعتنقته راغبة ...
وهاجرت في سبيله محتسبة ...
وأبصرت من خلاله طريق الجنة .
و لما رأت المسلمين ينكشفون عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا قليلاً منهم...
ووجدت المشركين يوشكون أن يصلوا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) و يقضوا عليه ؛ طرحت سقائها أرضاً ...
وهبت كاللبؤة التي هوجم أشبالها و انتزعت من يد أحد المنهزمين رمحه, ومضت تشق به الصفوف, وتضرب بسنانه الوجوه, و تزأر في المسلمين قائلة :
ويحكم, أنهزمتم عن رسول الله ؟!!
فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام مقبلة خشي عليها أن ترى أخاها حمزة وهو صريع, وقد مثل به المشركون أبشع تمثيل فأشار إلى ابنها الزبير قائلاً:
(المرأة يازبير ... المرأة يا زبير ...).
فأقبل عليها الزبير وقال :
يا أُمَّهْ إليكِ ... إليكِ يا أُمَّهْ.
فقالت : تنح لا أم لك .
فقال : إن رسول الله يأمرك أن ترجعي ...
قثالت : وَلِمَ ؟! إنه قد بلغني أنه مُثِّلَ بأخي , وذلك في الله ...
فقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (خل سبيلها يا زبير) ؛ فخلى سبيلها .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ولما وضعت الحرب أوزارها ... وقفت صفية على أخيها حمزة فوجدته قد بقر بطنه , و أخرجت كبده , وجدع أنفه , وصلمت أذناه , وشُوِّهَ وجهه , فاستغفرت له, وجعلت تقول :
إن ذلك في الله ...
لقد رضيت بقضاء الله .
والله لأصبرن , و لأحتسبن إن شاء الله.
كان ذلك موقف صفية بنت عبدالمطلب يوم (( أحد )) ...
أما موقفها يوم (( الخندق )) فله قصة مثيرة سُداها الدهاء و الذكاء و لحمتها البسالة والحزم ...
[السَّدى : الخيوط الطويلة للنسيج, و اللحمة : الخيوط العرضية ]
فأليك خبرها كما وعته كتب التاريخ .
لقد كان من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء والذراري في الحصون خشية أن يغدر بالمدينة غادر في غيبة حُماتها .
فلما كان يوم الخندق جعل نساءه و عمته و طائفة من نساء المسلمين في حصنٍ لحسان بن ثابت ورثة عن آبائه , وكان من أمنع حصون المدينة مناعةً و أبعدها منالاً .
وبينما كان المسلمون يرابطون على حواف الخندق في مواجهة قريش و أحلافها , وقد شُغِلوا عن النساء والذراري بمنازلة العدو .
أبصرت صفية بنت عبدالمطلب شبحاً يتحرك في عتمة الفجر , فأرهفت له السمع , وأحدت له إليه البصر ...
فإذا هو يهودي أقبل على الحصن , و جعل يطيف به متحسساً أخباره متجسساً على من فيه .
فأدركت أنه عين لبني قومه جاء ليعلم أفي الحصن رجال يدافعون عمن فيه , أم إنه لايضم بين جدرانه غير النساء والأطفال .
فقالت في نفسها : إن يهود بني قريظة قد نقضوا ما بينهم و بين رسول الله من عهد وظاهروا قريشاً و أحلافها على المسلمين ...
وليس بيننا وبينهم أحد من المسلمين يدافع عنا, ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه مرابطون في نحور العدو ...
فإن استطاع عدو الله أن ينقل إلى قومه حقيقة أمرنا سبى اليهود نساء المسلمين واسترقوا الذراري, وكانت الطامة على المسلمين .
***
عند ذلك بادرت إلى خمارها فلفته على رأسها, و عمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها, و أخذت عموداً على عاتقها, ونزلت إلى باب الحصن فشقته في أناةٍ و حذق, و جعلت ترقب من خلاله عدو الله في يقظة و حذر , حتى إذا أيقنت أنه غدا في موقف يمكنها منه ...
حملت عليه حملة حازمة صارمة, وضربته بالعمود على رأسه فطرحته أرضاً ...
ثم عززت الضربة الأول بثانية وثالثة حتى أجهزت عليه , و أخمدت أنفاسه بين جنبيه ...
ثم بادرت إليه فاحتزت رأسه بسكين كانت معها , وقذفت بالرأس من أعلى الحصن...
فطفق يتدحرج على سفوحه حتى استقر بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون في أسفله .
فلما رأى اليهود رأس صاحبهم؛ قال بعضهم لبعض :
قد علمنا إن محمداً لم يكن ليترك النساء و الأطفال من غير حماة ... ثم عادوا أدراجهم ...
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وبعد ..
رضي الله عن صفية بنت عبدالمطلب.
فقد كانت مثلاَ فذا للمرأة المسلمة ، ربت وحيدها فأحكمت تربيته
وأصيبت بشقيقها فأحسنت الصبر عليه
واختبرتها الشدائد فوجدت فيها المرأة الحازمة العاقلة الباسلة
..
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .. إن التشبه بالكرام فلاح
..
في أمان الله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]